الاثنين، 17 مايو 2010

سدنة الفساد في السعودية هم الساسة والكهان

سدنة الفساد في السعودية هم الساسة والكهان

في أوائل الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، نشرت جريدة الأهرام لمهندس معماري مصري عمل لمدة سنتين في إحدى المؤسسات الحكومية في جدة، مقالاً طريفاً عن السعودية قال بما معناه ( كنت قبل أن أعمل خارج مصر أعتقد جازماً بأن مرافق الدولة في بلدي " مصر " تحتل مركز الصدارة بين دول العالم في الفساد المالي والإداري، لكن بعد أن عملت في مؤسسة حكومية سعودية في جدة؛ تبيّن لي أن مصر بخير، وأن الفساد الحقيقي هو المستشري في الجهاز الحكومي السعودي، فساداً شبه معلن يمارس بلا خوف أو حذر أو حياء، فالمحسوبية والرشوة والتواطؤ مع المقاولين يكاد أن يكون عرفاً وتقليداً ألفه الجميع ).

نعم يا باش مهندس، و في وطني العجيب الغريب في مفاهيمه و أولوياته، نجد الحكومة وكهانها يرددون على مسامع العالم آناء الليل وأطراف النهار، أنهم هم وحدهم حراس العقيدة وحماتها و الذين يحكمون بشرع الله، وفي وطني مئة ألف مسجد لا يفتى أئمتها من وعظ الناس وبيان الحلال والحرام لهم، لكن أغلب تلك المحرمات في نظر أولئك الأئمة والوعاظ هي ما يتعلق بصغائر الأمور التي تدخل في باب المختلف فيه، كالصلاة في غير جماعة أو الاختلاط أو السماع أو قيادة المرأة للسيارة ونحو ذلك، أما نهب خزينة الدولة و الرشوة والتسيّب الإداري وخيانة الأمانة وأكل أموال الناس بالباطل، والكثير من الكبائر والموبقات، فهذه ليس فقط مسكوت عنها بل وتبارك من كبار القوم وسدنة الدين، هذا هو شرع الله في نظر هؤلاء الظلمة.
مئات القتلى وآلاف المشردين في كارثة جدة، كل جريرتهم أنهم ضللوا من قبل أجهزة حكومة تدعي أنها تحتكم إلى شرع الله، وسدنة دين كانوا قد أذلوهم وقطعوا ألسنتهم حتى قبلوا السكنى في بطون الأودية ومجاري السيول، على اعتبار أن لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وحين وقعت الكارثة على أولئك الضعفاء، همم سدنة الدين في أن ما جرى ليس إلا بسبب معاصيهم وبعدهم عن الله !!.
أولئك الظلمة جعلوا من أرواح الضعفاء والفقراء كبش فداء لسكان القصور وملاك المخططات والمجمعات السكنية، الذين عاثوا فساد بالبلد ولا يتوانون عن اقتراف أفظع الموبقات في منتجعاتهم وشليهاتهم ومواخير حول العالم، أولئك في نظر كهان هذا البلد هم من الصالحين المصلحين والدليل أنه لم يمسسهم سوء جراء كارثة جدة.

وبعد
الكلام الذي قاله المهندس المصري قبل ربع قرن حيث بدايات الفساد، ولو قدر أن عاد اليوم للعمل في السعودية فماذا يمكنه أن يكتب عن الفساد الذي قد استشرى واستفحل حتى أتى على الأخضر واليابس..؟.

وطني - مهبط الوحي وقبلة المسلمين – هو اليوم عبارة عن أكاديمية دولية لا يقتصر دورها على إنتاج الفساد وتطويره؛ بل وتصديره إلى أقطار الأرض، فبالكاد يعمل الوافد في هذا الوطن لمدة سنة أو سنتين إلا ويصبح من عتاة الفاسدين، وبعودته إلى بلده يشرع على الفور في تطبيق ما تعلمه في ديارنا من صنوف الفساد التي طالت كل شيء.
نعم بعد أن خلصنا من ذبح ضمائرنا، لم نستحي أن نذبح ضمير أي وافد إلى ديارنا ليعود إلى بلده ميت الضمير و عقله موبوء بكل أنواع الفساد.

ما حدث في جدة أخيراً لا يمثل إلا جزء من رأس جبل الفساد الذي تمتد قاعدته من الحديثة شمالاً إلى شرورة جنوباً ومن المعقب المستهتر إلى الوزير اللا مبالي.

حكومتنا الرشيدة في احتضان الفساد؛لا تجهل هذه الحقيقة، بل أكاد أجزم بأنها ترعى الفساد وتذلل كل الصعاب التي قد تقف أمامه، وأكبر دليل أن المسئول الفاسد لا يخشى المحاسبة مهما أجرم في حق الوطن، إذا أقصى ما يمكن أن يتعرض له هو إبعاده عن منصبه إلى منصب آخر ليواصل فساده، أو يعفى من منصبه مع عبارة جبر الخاطر( بناءاً على طلبه).

المئات من الوزراء و وكلاء والوزارات والمدراء العامين ورؤساء البلديات والقضاة وكتاب العدل، سرقوا ونهبوا وأفسدوا ولم نسمع عن محاسبة واحد منهم.

ثم نتباكى على ما حدث في جدة، ونعلن أننا سوف نضع حداً للفساد!!.
وشلون ومعظم المسئولين في أجهزة الدولة قد رعوا الفساد.؟.

وشلون والمسئول يبقى في منصبه مدى الحياة، حتى لو رائحة فساده تزكم الأنوف.؟.

أحد وكلاء الوزارات عمل في منصبه لمدة خمسة عشر عاماً فقط واستطاع أن يبنى قصراً بكلفة خمسين مليون ريال، وأقام مشروعاً تجارياً كلفه نصف مليار ريال... هذا الفاسد فقط أعفي من منصبه، ولكنه أبقي على قائمة كبار الأعيان!!.

الفساد أعظم من أن نعالجه بالكلام والوعيد والتهديد أو تشكيل اللجان من نفس الوسط الوظيفي الفاسد أصلاً.

لو كانت الحكومة جادة في محاربة الفساد، لأصدرت قراراً بتشكيل لجنة وطنية من خارج الوسط الوظيفي وبعيداً عن خمة مجلس الشورى، و محكمة من خارج الوسط القضائي الفاسد هو الآخر، ومنحتهما صلاحيات شبه مطلقة وتولى رئاستهما خادم الحرمين نفسه، على أن لا يحول بين تحقيقاتها وأحكامها حصانة لأحد أيً كان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق