الخميس، 3 ديسمبر 2009

احمد زكي يماني


في الخامس والعشرين من شهر صفر 1407هـ الموافق للتاسع والعشرين من شهر أكتوبر 1986م أقال الملك… أحمد زكي يماني وزير النفط والثروة المعدنية، بعد حوالي ربع قرن من تربعه على مكتب الوزارة عام 1962م
بعد ان نفذ سياسيات آلت بأسعار النفط إلى الهاوية منذ عام 1982م .
يقول انه حاصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد (Harvad univrsity) ولكن الجامعه نفت ذلك !
في فترة الستينات والى بداية السبعينات، كان التيار العام الشعبي والحكومي في الدول المصدرة للنفط يميل بشكل حاد لاعادة النظر في الامتيازات التي حصلت عليها الشركات النفطية الاستعمارية في فترة غياب الشعوب المستضعفة، خاصة بعد أن توضح أن النفط سيكون عاملاً مهماً في السياسة والاقتصاد. هنا وفيما كانت الأصوات تدعو لتأميم شركات النفط، أو على الأقل المشاركة في أسهم هذه الشركات، تصدّى اليماني بكل قوة إلى مبدأ التأميم وحتى المشاركة بدون تبرير، اللهم إلاّ خوفه على مصالح الغربيين.

التأميم والمشاركة
في عام 1968 طرحت لأول مرة فكرة المشاركة للشركات النفطية في أسهم امتيازاتها، ضمن إطار مؤتمرات الأوبك، غير أن اليماني تصدّى لها بقوة، فكان بمثابة ناطق رسمي عن الشركات الغربية ومحامياً لمصالحها(2)..
ولكن ـ فيما بعد ـ حدثت تطورات عديدة على ساحة الشرق الأوسط، وبالخصوص في الدول المنتجة للنفط .. فقد تزايد نمو المشاعر الوطنية المشحونة بالعداء للشركات الغربية النفطية الناهبة…
وقد تأجج هذا الشعور بعد:
*تأميم الجزائر لنفطها بتوقيعها اتفاقية 19 / 10 / 1968م ، بين الشركة الوطنية الجزائرية (سوناتراك) وبين شركة جيتي الأميركية، حيث حصلت الأولى على 51% من حقوق امتياز نفط الثانية.
كما وقعت الجزائر اتفاقيات مشاركة في الامتياز مع شركة البترول الفرنسية بتاريخ 30 / 6 / 1971م، ومع شركة (إيراب) في 15 / 12 / 1971م.
*تأميم ليبيا لشركة (بي / بي / سي) البريطانية في 7 / 12 / 1971م.
*تأميم العراق لشركة (آي / بي / سي) في 1 / 6 / 1972م.
هنا وفي السنوات الأولى لعام 1972م، رأت الشركات النفطية أن الدول النفطية سائرة نحو التأميم، وليس المشاركة فقط، فيوم طرحت المشاركة فقط رفضتها، ويوم أصبح التأميم قاب قوسين أو أدنى طرحت شعار المشاركة مع صرف مضامينه…
بالطبع لم تطرحه بلسانها، فقد كان عندها وكيل ومحامي، ألا وهو أحمد زكي، الذي حاور دول الخليج لكي تقبل بمبدأ المشاركة بدل التأميم، وأصبح وسيطاً بين الشركات الغربية وبين دول الخليج نفسها، حتى أن الصحف السعودية كانت توضح مهمته (بالوساطة) … إن الأمر لمحير حقاً، فلا مصلحة الوطن، ولا مصلحة العرب أو المسلمين أو حتى دول العالم الثالث، تدفع بهذا الاتجاه، إتجاه الضغط من أجل المشاركة المنحرفة ومنع التأميم!
لقد كان القبول بالمشاركة بالنسبة للشركات …. إضطرارياً، وكذلك اليماني فرغم أن المشاركة أو التأميم من صالح الحكومة والشعب، إلاّ أن اليماني ما كانا ليضغط من أجله لولا المشاعر العاصفة من أجل التأميم… يقول اليماني موضحاً أسباب القبول في محاضرة له بلندن بتاريخ (20/9/1972م): (إن نمو المشاعر الوطنية في الدول المصدرة للبترول قد جعل من الضروري تبديل الوضع الراهن لنظام الامتيازات، وإن تهدئة المشاعر الوطنية يقتضي الاختيار بين التأميم والمشاركة)!!
فاختار اليماني ـ بالطبع ـ الأسهل على الغرب وشركاته وهو (المشاركة) مع التشويه والتحريف.. والهدف هو: (تهدئة المشاعر الوطنية)!!
من جهة أخرى أوضحت الشركات الاحتكارية رأيها في مبدأ (المشاركة) ولماذا قبلت به مرغمة وهدفها من ذلك.. فقد قالت وكالة الصحافة الفرنسية بعد توقيع اتفاقيات المشاركة مع بقية دول الأوبك بضغط اليماني: (إن متحدثاً باسم شركات البترول الكبرى، وصف هذا الاتفاق بأنه مرحلة تاريخية.. وحتى ما قبل سنتين أو سنة واحدة، لم يكن أحد يتصور أن هذه الشركات ستعطي أغلبية الحصص للدول المنتجة للنفط، ولكن هذه كانت نهاية محتمة لا مفر منها)…
ـ فالأمر المحتوم، يعني أن المشاركة كانت رغم أنف الشركات، لأنه لا مفر منها، فما السبب؟ ..
يكمل المتحدث بإسم الشركات قائلاً:
(إن هذه المشاركة تعتبر ضرورة سياسية بالنسبة لدول الخليج، فالرأي العام العربي حساس للغاية لكل ما يحدث في دول الشرق الأوسط الأخرى… فبعد علميات التأميم المدوّية التي جرت في الجزائر وليبيا والعراق، وجدت دول الخليج العربي نفسها مجبرة على انتزاع المكاسب من شركات النفط… ولكن شركات النفط تعتبر الاتفاق مفيداً لها ايضاً … صحيح أنه يفقدها بعض سلطاتها، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد دورها كوسيط ضروري للاقتصاد البترولي العالمي. كما أن الشركات كانت تخشى ـ إن هي لم توافق على مبدأ المشاركة ـ أن تؤمم مصالحها في بعض أقطار الخليج)(3).
الشعوب العربية ـ خاصة الخليجية ـ تضغط.. والتجربة ناجحة كما فعلتا الدول العربية الأخرى، والشركات في حالة ضعف وتراجع، فماذا كانت مكاسب السعوديةد؟!
المكسب هو أن السعودية وقعت اتفاقية فاشلة، تدلل على زهد يماني في أموال الشعب التي هي مال سائب يحل للسراق الدوليين نهبه، ويلخص الجدول رقم(1) الاتفاقية السعودية مع أرامكو:


تاريخ ابتداء المشاركة
الزيادة المئوية
الحصة الكلية المئوية
1/1/1973م
1/1/1978م
1/1/1979م
1/1/1980م
1/1/1982م
25%
5%
5%
5%
6%
25%
30%
35%
40%
51%

يلاحظ من خلال الدول رقم(1)، ومن خلال المقارنة مع ما حصلت عليه الجزائر مشاركة (ولا نريد القياس بالنسبة للتأميم الليبي والعراقي)، أن اليماني اما ان يكون جاهل او عميل، فالجزائر ابتدأت المشاركة عام 1971م بـ 51%، بينما اليماني المفاوض المبجل والذكي جداً، بدأ المشاركة كارهاً في 1973م فقط، تزيد بعد خمس سنوات 5%، إلى ان تصل 51% بعد عشر سنوات!!
فهل كان اليماني واعياً حين وقّع العقد؟ … أم انه كان نائماً؟ .. وكلا الاثنين لا يؤهلانه لأن يكون وزيرا ًللنفط.
إن تصريحات اليماني كشفت أنه كان ضالعاً في مؤامرة تخدم الغرب وتحرم الدول المنتجة من حقها.. فضغطه على دول الخليج أوقعها في اتفاقيات مشابهة لما فعله اليماني..
الجدير بالذكر هنا أن النواب الكويتيين في مجلس الأمة، إنتقدوا اتفاقية المشاركة وفنّدوا بنودها بحضور وزير النفط(العتيقي) في جلسة عقدها المجلس بتاريخ 6/2/ 1973م،فما كان من الوزير إلاّ أن برر قبوله بالمشاركة بأن دول الأوبك وافقت، والكويت لا تستطيع الوقوف ضد المبدأ وحدها!! والآن .. لنضع النقاط على الحروف بأنه يقوم بعمل قذر ضد مصلحة البلاد الوطنية، ومصلحة دول الأوبك الأخرى ثانياً..
فبعد توقيع الاتفاقية للمشاركة بين اليماني وأرامكو، صرح قائلاً: (إن العلاقة الجديدة بين الحكومات والشركات، والتي سيكون أساسها المشاركة،ستكون نوعاً من الزواج الكاثوليكي الذي لا طلاق فيه)(4).. بمعنى ان ما حصلت عليه الدول المنتجة لن يتغير أو يزداد لصالحها، ربما حرصاً على الزواج الكاثولوليكي!
وإزاء هذه الخدمة الكبرى للشركات الغربية، إعتبرته الواشنطن بوست ـ انه أهم رجل في العرب، تقول الصحيفة بعد توقيع اتفاقية المشاركة: (منذ عدة سنوات قليلة، كان لقب أهم رجل عربي يعود بدون منازع إلى جمال عبد الناصر، الذي كان يمثل الأماني السياسية لبلاده وأماني شعوب المنطقة بأسرها.. أما اليوم فربما المرشح الأوفى حظاً لحمل هذا اللقب، هو الرجل الذكي، والشيخ يماني، أو كيسنجر العرب إذا أردت، الذي مثل واقع بلاده ومنطقته من الناحية الاقتصادية)(7)!!
بالطبع لم تجرؤ الصحيفة أن تقول أن اليماني يمثل أماني الشعب العربي، لأنه لم يكن يمثل سوى أماني شركات النفط الغربية
صار عسيراً)(12)..
فماذا يعني هذا الكلام؟
إن اليماني يريد تخفيض الأسعار التي كانت لعشرات السنين قليلة لدرجة التفاهة.. ولكنه لم يوضح لماذا هو يريد التخفيض؟ ليس هناك من سبب منطقي.. حتى الشاه المقبور كان مستاءً من سياسة السعوديه ويماني ووزيرهم اليماني، وعلق مرة على طلبات خفض الأسعار:
بأن الحكم السعودي(خاضع للأجانب،وضعيف على الصعيد الداخلي)(13)!
وحتى صحافة الشاه في ذلك الزمان الغابر، كانت تشهد حملات إعلامية قوية ضد اليماني، وتصفه بالعمالة للأجانب، والتفريط بثروات الشعوب، خدمة لمصالح الغرب.
فإذا كان هذا هو حال الشاه المعلوم حاله وارتباطه بأميركا .. فكيف بالدول الأخرى التي تتمتع بهامش من الاستقلالية؟! إن أحداً لا يرضى بأن تضيع ثروة بلاده بهكذا أسلوب، وإلى هذا الحد!!
وإن أحداً لا يستطيع أن يهضم تصريحات اليماني، المطالبة بتخفيض أسعار النفط بمبررات تافهة، مثل تلك التي قالها لنشرة (بتروليوم انتلجنس ويكلي) الأميركية، والتي جاء فيها: (إذا أخذنا واجباتنا الدولية بعين الاعتبار، فاعتقادنا هو أن الأسعار قد أصبحت مرتفعة، ولذا فالموقف الرسمي للمملكة العربية السعودية هو أنه يجب تخفيضها)(14)!
وإزاء هذا الوضع الغير مستساغ، رفضت الكويت والامارات مشروع اليماني ـ رغم ضغطه ـ القاضي بتخفيض الأسعار،
يتحمل اليماني (وحده) مسؤولية الانهيار الاقتصادي في البلاد، بسبب تسببه بانهيا رالاسعار
وحاولت الدوائر النفطية الغربية تصوير خروج اليماني من الوزارة على أنه (خسارة للعالم العربي!)، وأن (أوبك ستتفكك)، وأن (الأسعار ستهبط)، بينما الذي حدث بالفعل عكس كل هذا تماماً!!
لنرى الخراب الذي اتى به اليماني للوطن
في عام 1983م،وحينما اعلنت الميزانيه لعام 1403/1404هـ، تبين أن هناك عجزاً شديداً بسبب انخفاض إيرادات النفط عن العام السابق بما نسبته 28.2%. ولما أعلن عن ميزانية العام التالي 1404هـ/1405هـ، وصل العجز إلى(38) مليار ريال، وكانت نسبة العجز 17.7%، الأمر الذي دفع السعوديه لبدء سياسة سميت (ترشيداً) للانفاق الحكومي الضخم، فألغيت المشاريع الجديدة، وبديء بفرض الضرائب على المواطنين لتخفيف حدة الأزمة، فكانت البداية برفع أسعار المحروقات النفطية بنسبة 100%.. وكان الأمر مدعاة للسخرية جداً، ففي الوقت الذي تتدهور فيه أسعار منخفضة، اصبح سعر ليتر البنزين في داخل البلد أغلى بكثير مما هو في الخارج..
وبسبب ذلك شهدت البلاد استياء حاداً، وظهرت آثاره في جنوب البلاد، حيث حدثت بعض الاضطرابات الجماعية إثر إعلان الزيادة. ومرة آخرى في نوفمبر 1894م/صفر 1405هـ أصدر الحكومه اوامرها برفع أسعار التعرفة الكهربائية بنسبة 100% أيضاً، وفرض مبلغ عشرة آلاف ريال على كل مواطن يريد إيصال التيار الكهربائي إليه إذا كانت قوته 110فولت، وعشرين الف ريال للتيار 220فولت، ولأن المواطن يحتاج الاثنين فهو ملزم بدفع (30000) ريال، أي حوالي (8000) دولار أميركي! وقد أشاعت هذه الاجراءات سخطاً واستياءً منقطعي النظير في مختلف طبقات الشعب، وصار حديث الناس والجرائد والمجالس يدور حول ذلك.. خاصة بعد قطع الدولة تيار الكهرباء عن آلاف الأس التي لم تستطع ـ أو تأخرت ـعن دفع ما عليها من قيمة الفواتير!! ولاحظ المواطنون تلاعبات شديدة بالفواتير التي تصل في أغلب الاحيان إلى ثلاثة أضعاف القيمة الحقيقية، فضجّ الناس بالشكوى ولكن دون فائدة.
ومرة ثالثة.. أعلنت إذاعة الرياض(1) أنه (نظراً للعجز الاقتصادي، وترشيداً للاستهلاك، فإن الرسوم الجمركية على المستوردات سترتفع إلى 7%)، بينما كانت هذه الرسوم معدومة أو بنسب قليلة لا تتعدى 2%. ويبدو أن الحكومه لم تنتبه إلى مضار الاستهلاك إلاّ بعد الافلاس!!
ومن جهة أخرى، ألغت الدولة في جمادي الأولى 1405هـ، دعمها عن العديد من المواد الاستهلاكية الرئيسية، وخفضت دعمها للقمح المحلي بمقدار الثلث، وزادت على ذلك أن اخرت دفعها لمستحقات المزارعين الذين سلموا إنتاجهم حتى أصبح الأمر اعتيادياً كل عام!!
وفي جانب ثالث.. وابتداءً من عام 1984م، تقلصت رواتب الموظفين الحكوميين إلى النصف تقريباً، بعد حذف ساعات العمل الاضافي، والبدلات. وألغيت الزيادات ,ومجلس الوزراء السعودي برئاسة فهد أصدر قراراً مرفقاً بالميزانية العامة، أوصى بتخفيض رواتب المدرسات السعوديات بنسبة 30%، كما أوصى بالغاء بدل السكن وتحصيل إيجارات مماثلة لأسعار السوق، ممن يسكن في بيوت حكومية من الموظفين.
وجاء في القرار الذي يحمل الرقم (101) ان بدل الدوام الاضافي سيخفف من 50% إلى 25% ، بشرط أن لا يعطى أي موظف عملاً إضافياً يزيد عن ثلاث ساعات ونصف.. ونص القرار على ان الموظفين الذين يحق للدوائر الحكومية تكليفهم بعمل إضافي، هم أولئك الذين تقتضي طبيعة علمهم أن يستمروا في أعمالهم إلى ما بعد أوقات الدوام الرسمي.
اما العمل الاضافي في العطلات الرسمية، فقد حصره القرار في موظفي مراكز الحدود والمطارات والمستشفيات والدواوين الملكية ومكاتب الوزراء والمواصلات السلكية واللاسلكية، والاذاعة والتلفزيون، على أن لا يزيد ما يصرف لهم في هذه الأيام عن 50% من الراتب الأساسي.
واستثنى القرار المذكور موظفي الحج والعسكريين الذين تقرر أن يصدر بشأنهم تنظيم خاص، بشرط أن لا تزيد مكافآتهم عن الحد الأدنى المقرر، اي25% من الراتب الأساسي للساعات الاضافية في أيام الأسبوع، و50% في العطلات الرسمية. نوية وما أشبه.
وجاء في البند الخامس من القرار(101) أن مجموع الانتدابات التي يحصل فيها الموظف على مكافآت إضافية يجب أن لا تزيد عن (60) يوماً في السنة، باستثناء المنتدبين بالطائف خلال إقامة الحكومة فيها في فصل الصيف.
وفوق هذا كله، سنّت الدولة مجموعة من الضرائب غير المباشرة لم يسبق لها مثيل منذ موت الملك (عبد العزيز) مؤسس الحكم السعودي، فالرسم الذي يؤخذ مقابل جواز السفر ارتفع من ثلاثين ريال إلى (300) ريال، ورسم استخراج رخصة القيادة ارتفع من (40) ريال إلى (1000) ريال للمرة الأولى، ويتضاعف كل مرة إضافية.. وغرامات المرور للمخالفات البسيطة، إرتفعت من (300) ريال إلى (900) ريال.. في حين ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 100%، كالأرز والسكر والزيوت النباتية، وهكذا.
المواطنون، فجميعهم ـ تقريباً ـ يرجعون هذا التدهور ليس فقط إلى أزمة النفط التي كان آل سعود سبباً رئيسياُ في إيجادها، بل وأيضاً إلى المساعدات التي قدمت لجزار العراق صدام حسين. فقد زادت المساعدات السعودية للعراق بين عامي 1981م و1983م عن عشرين مليار دولار، كمساعدات مباشرة، أو كتمويل لمشتريات أسلحة من البرازيل ومصر.. ويعادل هذا المبلغ ضعف العجز المعلن في ميزانية عام (1404/1405هـ)، كما يعادل 150% من العجز الحقيقي لميزانية عام(1405/1406هـ).

بل إن بعض الوزارات بدأت بخصم ثلث رواتب موظفيها بدون سبب!!.. فمثلاً أصدر وزير الزراعة قراراً بتاريخ 18/8/1405 بخصم 33% من رواتب موظفي هيئة ادارة وتشغيل مشروع الري والصرف بالأحساء!، وكأن الحسومات الضخمة الأخرى السابقة لم تكن كافية لاشباع نهم الوزراء الذين تذهب ميزانيات وزاراتهم في جيوبهم وحاساباتهم في البنوك الخارجية!!
ووزارة الصناعة والكهرباء، استخدمت وسيلة فجّة في ابتزاز المواطنين،فقد تلاعبت في فواتير الكهرباء لشهر ذي العقدة 1405هـ، خاصة في منطقة الرياض، فهي لم يكفها التعرفة العالية.. بل ضاعفتها مرة أخرى، أي 200% زيادة عن السابق، فضجَ الناس للارقام المهولة، واضطروا للدفع خشية قطع التيار الذي اصبح عقاباً اعتيادياً
أما وزارة الداخلية، فقد اضافت إلى وسائلها الأخرى ضرائب جديدة، فقد اصدرت في شهر يوليو 1985م مجموعة من القرارات وافق عليها نايف:
يكون رسم تأشيرة الاقامة وتجديدها (150) ريالاً.. بعد أن كانت 20 ريالاً.
رسم تأشيرة الخروج والعودة اصبح (100) ريال.. بينما لم يتعد الرسم السابق (10) ريالات.
حسب المادة (16) من نظام الاقامات، فإن الغرامة المالية للمخالفات كانت لا تتعدى (100) ريال، فأصبحت الآن لا تقل عن (1000) ولا تزيد عن (3000) ريال.. وقد أبلغت السلطات الأمنية المقيمين في البلاد بهذه القرارات! وسار وزير الدفاع سلطان على نهج أخيه وزير القمع نايف، فوافق على قرار برقم 20/4/3/160) صادر بتاريخ 30/3/1405هـ، يتضمن ـ ضمن ما يتضمنه ـ استحصال قيمة فواتير الكهرباء والماء من العسكريين الساكنين في جميع المناطق والقواعد العسكرية التابعة للقوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، على اساس العدادات القليلة الموجودة في قليل من الموالداعي للسخرية، أنه في ذات فترة الضائقة المالية، تناقلت الصحف الغربية ومن بينها الصحيفة الاميركية (وول ستريت جورنال) خبر انتهاء صناعة طائرة فخمة لليماني، ، حيث بلغ ثمنها (150) مليون دولار فقط!!..
ومقابل هذا الترشيد المسعور، قلّصت الحكومة دعمها مرة أخرى للقمح المحلي إلى أقل من النصف، وزادت على ذلك أنها لم تشتر كل إنتاج المزارعين، بل 50% منه فقط عام 1406، فيما احتار المزارعون في كيفية تصريف انتاجهم،

في ديسمبر 1984م، قالت مجلة غربية(12) وهي تستعرض ملامح التدهور في الاقتصاد السعودي: ( يوضح وزير حكومي بأن انخفاض عائدات النفط تجعل الخطة الخمسية الجديدة في المملكة غير قابلة للتطبيق، حتى قبل أن تنشر. ويشكو المقاولون الأجانب من أنهم لم يستلموا اجورهم للاعمال التي نفذوها، في حين ينكمش عدد الاميركيين الكبير والبالغ "65" ألفاً كل شهر، بينما تحزم الكثير من المصانع الاميركية امتعتها للعودة إلى بلادها.. ويسود أحساس عام بأن حالة الرفاه والانس قد ولّت. أن الازدهار الاقتصادي قد انتهى، والعربية السعودية تقترب من الهبوط مريحاً .. أم أنه سيكون ارتطاماً قوياً)..
وافق وزير الداخلية!!، على إقرار نظام جديد لاضاءة شوارع المدن الرئيسية والميادين العامة، ويقضي النظام باضاءة 50% من طاقة أعمدة الكهرباء بعد منتصف الليل، بمعنى اضاءة عمود واطفاء عمود وهكذا. أو تقليل اضاءة الكشافات في العمود الواحد بحيث يكون كشاف واحد بدلاً من أربعة. النظام وصحافته اعتبروا هذا الاجراء (ترشيداً!!)..

لمحه عن ثراء اليماني الذي نكب الوطن
قرر المستر ويدمان، وهو مهندس معماري يهودي، من (هامستيد) يبلغ الثامنة والأربعين من العمر .. قرر أن يتفرغ ثم يخصص كل وقته للتصاميم وأنماط البناء التي ترضي أذواق يماني ومن هم على شاكلته من شيوخ النهب . أمّا اليوم، فاليهودي (ويدمان) هو المصمم الداخلي المفضل لدى شيوخ الجزيرة، والشيخ عديم الذوق فقط هو الذي لا يسعى لاستئجار خدمات (ويدمان) حين يحتاج (الشيخ) إلى غطاء وسادة، أو صفوف من شلالات المياه المنثورة فوق آبار السلالم الداخلية. وعلى مدى الأشهر الثمانية عشرة الماضية، ظل (ويدمان) منهمكاً في وضع التصاميم الداخلية لمنزل الشيخ السعودي.. الشيخ اليماني، وهو المنزل الذي اشتراه اليماني في منطقة (سري) والمسمّى بـ ( Windlesham Hall) حيث شيّد (ويدمان) إمتداداً زجاجياً ألحق بالمنزل، يتضمن حوض سباحة مغلق، ورابية اصطناعية على نمط رابية ضفاف (كورتس) في حي (ستراند) العريق في لندن..
تبلغ تكاليف الملحق الزجاجي أربعة ملايين جنيه استرليني فقط لا غير، أما أجرة ويدمان على تصميم وتنفيذ الملحق فمليون جنيه استرليني..إنّ امتلاك الموارد التي تمكن من ممارسة هواية المشاريع المتفردة الباذخة.. يساوي نصف متعة العمل عند شيوخ العرب، أو هذا ما يقوله اليهودي (ويدمان) على الأقل!. ويقول (ويدمان) أيضاً: إن هذا يتطلب قدراً كبيراً من الحصافة والمعرفة، فهذا ليس العالم الذي يتلكأ فيه الزبون ويتباطاً وهو يقلب صفحات كتيب النماذج (الكاتالوج) قبل أن يستقر رأيته على مادة أو طراز معين.
زبائن (ويدمان) يقيمون عادة في منطقة الخليج.. أو في نيويورك.. أو في ماربيا (أسبانيا)..ولا تزيد محاولات التعرف على المواصفات عن محاولة أو اثنتين، ما بين شراء العقار والانتقال إليه. أمّا التحسينات والتصميمات والتزيينات التي تدخل على المنزل، فيترك أمرها كلياً للمهندس المعماري الذي يختار الألوان، ويشتري الأثاث واللوحات الفنيّة. ويضيف (ويدمان) قائلاً: كنت أبحث عن خزانتين اليماني، فاطلعت على كل ما تحويه أسواق باريس ولندن، ولم أجد فيهما ما يرقى إلى المستوى المطلوب..ولهذا طلبت صنعهما لتكونا مطابقتين لخزانتين موجودتين في متحف (فيكتوريا وألبرت) في لندن، والواقع جاءت الخزانتان الجديدتان أروع من النموذجين، إضافة إلى أنهما ـ بالطبع ـ جديدتان. والعديد من زبائني .. مثلي، يهتمون بالدروع، لأنها حين يتقن صلها تلمع وتبرق، وتشع بجمال يبهر العيون. أبرقت إلى الشيخ اليماني أقترح تثبيت بعض الدروع في زوايا حوض السباحة، وبعد أشهر قليلة استلمت صندوقاً هائلاً يضم في داخله درعاً يابانياً ملكيّاً من آثار القرن الخامس عشر. وفي العام التّالي، وبمجرد الصدفة، طلب ويدمان أن ينظف مجاري مياه الأمطار في مبنى (كلارندون هاوس) الذي تملكه زوجةيماني، وأن يعيد تصميم مبنى ليلي (لانغتري هاوس) القاشم في شارع (أودلي ستريت) في لندن، والذي يملكه الشيخ عبد الله باروم، من العربية السعودية. وهكذا اصبح ويدمان شخصية كشخصية ديفيد هكس الأسطورية، مقرباً إلى الحجاج والحريم، في سوق يصير (ويدمان) رغم كل ما يقال على أنها ما تزال تتسع وتزداد ازدهاراً. ثم يضيف المهندس الموهوب قائلاً: (إن عدداً كبيراً من الأمراء الشباب، ومن الشيوخ الذين تلقوا تعليمهم هنا أو في أمريكا، بدأوا يتصرفون على أساس أن لندن هي مقرهم الأصلي، بينما يتعاملون مع الشرق الأوسط على أنه وطنهم الثاني. وهذا أمر يبعث السرور في نفس(ويدمان) الذي يقول: (إن أحد الأشياء القليلة جداً التي يقضيها هؤلاء سنوياً في بيوتهم الانجيليزية، وإنه لشيء مثبط للهمم والمواهب أن ترى كل هذا المال والوقت يصرف على هذه البيوت، ثم تجد نفسك أمام شلال مياه تتراقص في الردهات الكبيرة، وليس هناك من يعجب به سوى القلّة القليلة من الخدم والحشم)…
إنتهى
والواقع أنه لا داعي للأسف، فما دام المال يأتي بسهولة من النهب والسرقة من أموال الشعب، فإن السراق لا يشعرون بحرصهم عليه!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق