الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

عندما ينبري المثقف لشرعنة الإستبداد ,,,والفساد... تركي الحمد انموذجاً

إن الإستبداد مر الطعم قبيح المنظر ... وإن سوق المبررات لشرعنته أشد مرارةً وقبحاً ... وعندما يكون رجل عظيم بحجم تركي الحمد مبرراً و مشرعناً لثقافة الإستبداد فإن ذلك يعني بأن الصورة الثقافية في بلادنا قاتمة .. وبأن المثقفين في بلادي هم رافد مهم وحيوي لبقاء الإستبداد كثقافة مشروعة طالما أننا مجتمع لا يعرف أبجديات الثقافة الديمقراطية كما يقول أستاذي تركي الحمد !لذى لا غرو أن تقوم صحيفة شبه حكومية مثل صحيفة الوطن بانتقاء هذا الجزء من مقالة الحمد الطويلة لتدبج به صفحة المقال :" حين تكون الديموقراطية مجرد انتخابات موسمية وصناديق اقتراع دون مضمون من حريات وحقوق، فأنا شخصياً أفضل عليها الاستبداد المُعلن عن نفسه، فهو على الأقل لا يغطي البشاعة بخمار فيه شيء من الجمال "ولا عجب أن ترى زملائي الليبرالين يصفقون لهذا الكلام ليس لأنهم مقتنعين به ولكن لأن كاتبه هو" الرمز " تركي الحمد !مثلهم في ذلك مثل شباب المكتبات والحلقات الذين يكبرون على أي جملة يتفوه بها أشياخهم تحية لهم وإكباراً حتى لو كان كلامهم مجرد هراء !مشكلة أستاذي العزيز تركي الحمد وأمثاله من التنويرين في بلادي أنهم يجيدون تشخيص مشاكل مجتمعنتا وعلاته .. لكنهم يتوقفون عندما نتوقف معهم عند الحلول ولا ينبرون للحديث عن ذلك بشكل علمي كما هي طريقتهم في التشخيص أو أنهم يتحدثون عن الحلول بشكل سطحي جداً ينتهي بهم إلى شرعنة الإستبداد حتى اشعار آخر !يقول الحمد : "لن تنجح الديموقراطية في بلاد العرب ما لم يكن هناك إيمان بضرورتها أولاً"والسؤال الذي يتبادر إلى ذهني وأنا أقرأ هذه العبارة المتكررة على لسان كثير من المثقفين الليبرالين .. لماذا لا يتحدث أستاذي الحمد وغيره عن كيفية التبشير بالدمقراطية كضرورة لا بد منها لحل مشاكلنا المختلفة ؟كيف نقنع الناس بذلك في ظل سلطة شمولية تملك المؤسسات الإجتماعية والسياسية والإعلامية والثقافية الخ ؟أين هو دور المثقف السعودي من التنوير الثقافي الذي يقوم على نقد البنية الثقافية لخطاب التخلف الذي نشتكي منه؟أين هو دور المثقف أولاً والسلطة ثانياً في " تأهيل المجتمع " خصوصاً وأن الليبرالين صدعوا رؤسنا بالحديث عن عدم أهلية المجتمع وعجزه التام عن ممارسة الدمقراطية على أساس أنه لا يؤمن بها أصلاً؟ثم ما هي صفة هذا "التأهيل" الذي يتحدث عنه الدكتور الحمد وغيره من الليبرالين ؟هل يمكن لمجتمع أن يتأهل لشيء لم يمارسه؟هل يمكن لابنك يا أبا طارق أن يتأهل لقيادة السيارة وهو لم يتمرن على قيادتها ؟أليس من الطبيعي أن تحدث الأخطاء أثناء فترة التمرين حتى يصل إلى درجة التأهل؟ثم كيف وصلت المجتمعات المتقدمة لهذه الدرجة من المثالية في تطبيق الدمقراطية؟ألم تمر فرنسا على سبيل المثال بحكم عسكري دكتاتوري بعد الثورة الفرنسية التي حملت شعار الحرية والعدالة والمساواة؟ألم تكن فرنسا إذ ذاك مشابهة تماماً للحالة العراقية أو المصرية أو اللبنانية؟وماذا عن بريطانيا قبل حكم الملكة فكتوريا؟ألم تكن شبيهة بالحالة الكويتية والبحرينية؟كل التجارب الدمقراطية التاريخية يا أستاذي الحمد تقول بأن الدمقراطية لم تأتي إلى المجتمعات كثقافة ركيزة في الوجدان دون غبش وخلط ..بل إن التاريخ يؤكد بأن الديمقراطية لا يمكن أن تتعزز وترتكز كقيمة ضرورية مثلى إلا من خلال الممارسة والخطأ ثم الخطاً ثم الخطأ الذي ينتهي بصواب .ولعلي أنهي كلامي بمداخلة قيمة للزميل أبو مارتن :" إن الديمقراطية خطوات مرحلية، ومرحلة الديمقراطية القيمية، التي تشير إليها أنت في مداخلتك، أو الديمقراطية كقيمة جوهرية (intrinsic) يجب أن تسبقها مرحلة أولية تؤسس للمناخ الديمقراطي وهي المرحلة الشكلية للديمقراطية أو الديمقراطية كقيمة مظهرية (extrinsic) . هذه المرحلة الأولية تدخل بداياتها ضمن ما يسمى بعملية الدمقرطة أو (democratization) وهو مخاض عسير يتم فيه الإشراف على التحول الديمقراطي من حالة استبدادية إلى حالة إنشاء مؤسسات ديمقراطية.المشكلة أن الكتاب في الصحافة السعودية (الحكومية) ، وجلهم لعظيم الأسف من غير المختصين في الإنسانيات ، فضلاً عن دراسة العلوم السياسية ، يقترحون زاعمين أن المرحلة الثانية شرط لوجود الأولى مع إن العكس هو الأصح. فهم يطالبون بوجود مناخ ديمقراطية كشرط أساس لإطلاق مؤسسات الديمقراطية من قوانين ونظم انتخابية وصناديق اقتراع وصحافة حرة ومحايدة وغير ذلك من شكليات الديمقراطية التي تؤسس لديمقراطية جوهرية.هذه إشكالية للأسف لم يتجاوزها حتى الأكاديميون أمثال د. تركي الحمد ، و د.خالد الدخيل، ود. كساب العتيبي، وغيرهم كثيرون، بالرغم من معرفتهم بحقيقة الشرط البنيوي هذا كمقدمة ضرورية لوجود ثقافة ديمقراطية حقيقية. كلهم يفكرون بالعكس، فهذا في مقاله أعلاه يفكر عبر رفع درجة الإيمان الديمقراطي ( وكأنه يعظ الناس في مسجد قائلاً : تمقرطوا يا عباد الله ) وذاك يفكر بضرورة وجود عادل مستبد ومؤسسة علمانية غير ديمقراطية وذاك يفكر في بديل للخليفة الإسلامي تحت مسمى القائد ذي الخصوصية المتميزة والكافية. كل هذا كلام في كلام ولا يخدم سوى الأطروحات الإرجائية الضارة بمستقبل الأجيال وهي إرجاءات بات للأسف يجمتع فيها أناس ينتسبون لجهات أيديولوجية متباينة وخاصة الثلاثة أطراف في السعودية : الحكومة المتفردة بالقرار والمشيحة بوجهها عن الشعب وخياراته ، الإسلاميون السلفيون الذين لا يريدون رؤية العوام حول المركز ، والليبراليون الجدد الذين يريدون الاستئثار بالفكر ودحر الشعب والإسلاميين على حد سواء. مأساة عظمى ، في التفكير ، ولست أدري كيف الإفلات من تبعاتها ما دام المفكر — ومن يرى نفسه مفكراً في هذه البلاد— يشترط ديمقراطية حقيقية قبل بداية تشغيل ماكينات ضرورية لصنع الديمقراطية الجوهرية أو الحقيقية إن شئت."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق